منتدى أحلى فنون
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى أحلى فنون

منتدى أحلى فنون الابداع معنا غير  
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  ما حقيقة النفس الجزء الثالث

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
الشبح الاسود
 
 
الشبح الاسود


العمر : 38
السٌّمعَة والتميز السٌّمعَة والتميز : 5
نقاط التميز نقاط التميز : 8993
عدد المساهمات : 3
التسجيل : 04/08/2012
الجنـس/ : ذكر
الأوسمة  ما حقيقة النفس الجزء الثالث Plaque10

 ما حقيقة النفس الجزء الثالث Empty
مُساهمةموضوع: ما حقيقة النفس الجزء الثالث    ما حقيقة النفس الجزء الثالث I_icon_minitimeالسبت 4 أغسطس - 14:04:49

بسم الله الرحمن الرحيم قالوا وأيضا فطبائع الأعداد ماهيات مختلفة فالمفهوم من كون العشرة عشرة مفهوم واحد وماهية واحدة فتلك الماهية أما أن تكون عارضة لكل واحد من تلك الآحاد وهو محال وأما أن تنقسم بانقسام تلك الآحاد وهو محال لأن المفهوم من كون العشرة عشرة لا يقبل القسمة نعم العشرة تقبل القسمة لا عشريتها قالوا فقد قدم مالا ينقسم بالمقسم
قالوا وأيضا فالكيفيات المختصات بالكميات كالاستدارة والنقوش ونحوهما عند الفلاسفة أعراض موجودة في شبه الاستدارة إن كان عرضا فأما أن يكون بتمامه قائما وإما أن يكون بكل واحد من الأجزاء وهو محال وأما أن ينقسم ذلك العرض بانقسام الأجزاء ويقوم بكل جزء من أجزاء الخط جزء من أجزاء ذلك العرض وهو محال لأن جزأه إن كان استدارة لزم أن يكون جزء الدائرة دائرة وإن لم يكن استدارة فعند اجتماع الأجزاء إن لم يحدث أمر زائد وجب أن لا تحصل الاستدارة وإن حدث أمر زائد وجب أن لا تحصل الاستدارة وإن حدث أمر زائد فإن كان منقسما عاد التقسيم وإن لم ينقسم كان الحال غير منقسم ومحله منقسما
قلت وهذا لا يلزمهم فإن لهم أن يقولوا ينقسم بانقسام محله تبعا له كسائر الأعراض القائمة بمحالها من البياض والسواد وأما مالا ينقسم كالطول فشرط حصوله اجتماع الأجزاء والمعلق على الشرط منتف بانتفائه
قالوا وإن هذه الأجسام ممكنة بذواتها وذلك صفة لها خارجة عن ماهيتها فإن لم تنقسم بانقسام محلها بطل الدليل وإن انقسمت عاد المحذور المذكور من مساواة الجزء للكل والتسلسل
قلت وهذه أيضا لا يلزمهم لأن الإمكان ليس أمر يدل على قبول الممكن للوجود والعدم وذلك القبول من لوازم ذاته ليس صفة عارضة لم ولكن الذهن يجرد هذا القبول عن القابل فيكون عروضه للماهية بتجريد الذهن وأما قضية مشاركة الجزء للكل فلا امتناع في ذلك كسائر الماهيات البسيطة فإن جزأها مساو لكلها في الحد والحقيقة كالماء والتراب والهواء وإنما الممتنع أن يساوي الجزء للكل في الكم لا في نفس الحقيقة
والمعول في إبطال هذه الشبهة على أن العلم ليس بصورة حالة في النفس وإنما هو نسبة وإضافة بين العلم والمعلوم كما نقول في الأبصار أنه ليس بانطباع صورة مساوية للمبصر في القوة الباصرة وإنما هو نسبة وإضافة بين القوة الباصرة والمبصر وعامة شبههم التي أوردوها في هذا الفصل مبنية على انطباع صورة المعلوم في القوة العالمة ثم بنوا على ذلك أن انقسام مالا ينقسم في المنقسم محال
وقولهم محل العلوم الكلية لو كان جسما أو جسمانيا لانقسمت تلك العلوم لأن الحال في المنقسم منقسم لم يذكروا جسمه هذه المقدمة دليلا ولا شبهة وإنما بأيديهم مجرد الدعوى وليست بديهية حتى تستغني عن الدليل وهي مبنية على العلم بالشيء عن حصول صورة مساوية لماهية المعلوم في نفس العالم وهذا من أبطل الباطل للوجوه التي نذكرها هناك
وأيضا فلو سلمنا لكم ذلك كان من أظهر الأدلة على بطلان قولكم فإن هذه الصورة إذا كانت حالة في جوهر النفس الناطقة فهي صورة جزئية حالة في نفس جزئية تقارنها سائر الأعراض الحالة في تلك النفس الجزئية فإذا اعتبرنا تلك الصورة مع جملة هذه اللواحق لم تكن صورة مجردة بل مقرونة بلواحق وعوارض وذلك يمنع كليتها
فإن قلتم المراد بكونها كلية إنا إذا حذفنا عنها تلك اللواحق واعتبرناها من حيث هى هي كانت كلية قلنا لكم فإذا جاز هذا فلم لا يجوز أن يقال هذه الصورة حالة في مادة جسمانية مخصوصة بمقدار معين وبكل معين إلا أنا حذفنا عنها ذلك واعتبرناها من حيث هي هي كانت بمنزلة تلك الصورة التي فعلنا بها ذلك فالمعين في مقابلة المعين المطلق المأخوذ من حيث هو هو في مقابلة محله المطلق وهذا هو المعقول الذي شهدت به العقول الصحيحة والميزان الصحيح فظهر أن هذه الشبهة من أفسد الشبه وأبطلها وإنما أتى القوم من الكليات فإنها هي التي خربت دورهم وأفسدت نظرهم ومناظرهم فإنهم جردوا أمورا كلية لا وجود لها في الخارج ثم حكموا عليها بأحكام الموجودات وجعلوها ميزانا وأصلا للموجودات
فإذا جردوا صور المعلومات وجعلوها كلية جردنا نحن محلها وجعلناه كليا وإن أخذوا جزئية معينة فمحلها كذلك فالكلى في مقابلة الكلى والجزئي في مقابلة الجزئي
على أنا نقول ليس في الذهن كلى وإنما في الذهن صورة معينة مشخصة منطبعة على سائر أفرادها فإن سميت كلية بهذا الاعتبار فلا مشاحة في الألفاظ وهي كلية وجزئية باعتبارين
فصل قولكم في الوجه الثالث أن الصور العقلية الكلية مجردة وتجردها إنما هو بسبب الآخذ لها وهو القوة العقلية جوابه أن يقال ما الذي تريدون بهذه الصورة العقلية الكلية أتريدون به أن المعلوم حصل في ذات العالم أو أن العلم به حصل في ذات العالم فالأول ظاهر إلا حالة

والثاني حق إلا أنه يفيدكم شيئا لأن الأمر الكلي المشترك بين الأشخاص الإنسانية هو الإنسانية لا العلم بها والإنسانية لا وجود لها في الخارج كلية والوجود في الخراج للمعينات فقط والعلم تابع للمعلوم فكما أن المعلوم معين فالعلم به معين لكنه صورة منطبقة على أفراد كثيرة فليس في الذهن ولا في الخارج صورة غير منقسمة البتة وكم قد غلط في هذا الموضع طوائف من العقلاء لا يحصيهم إلا الله تعالى فالصورة الكلية التي يثبتونها ويزعمون أنها حالة في النفس فهي صورة شخصية موصوفة بعوارض شخصية فهب أن هذه الصورة العقلية حالة في جوهر ليس بجسم ولا جسماني فإنها غير مجردة عن العوارض فإن قلتم مرادنا بكونها مجردة النظر إليها من حيث هي هي مع قطع النظر عن تلك العوارض
قيل لكم فلم لا يجوز أن تكون الصورة الحالة في المحل الجسماني منقسمة وإنما تكون مجردة إذا نظرنا إليها من حيث هي هي بقطع النظر عن عوارضها
فصل قولكم في الرابع أن العقلية تقوى على أفعاله غير متناهية ولا شيء من القوى الجسمانية كذلك فجوابه أنا لا نسلم أنها تقوى على أفعال غير متناهية
وقولكم أنها تقوى على إدراكات لا تتناهي هي والإدراكات أفعال مقدمتان كاذبتان فإن إدراكاتها ولو بلغت ما بلغت فهي متناهية فلو كان لها بكل نفس ألف ألف إدراك لتناهت إدراكاتها فهي قطعا تنتهي في الإدراكات والمعارف إلى حد لا يمكنها أن تزيد عليه شيئا كما قال تعالى وفوق كل ذي علم عليم إلى أن ينتهي العلم إلى من هو بكل شيء عليم فهو الله الذي لا إله إلا هو وحده وذلك من خصائصه التي لا يشاركه فيها سواه
فإن قلتم لو انتهي إدراكها إلى حد لا يمكنها المزيد عليه لزم انقلاب الشيء من الإمكان الذاتي قلنا فهذا بعينه لو صح دل على أن القوة الجسمانية تقوى على أفعال غير متناهية وذلك يوجب سقوط الشبهة وبطلانها
وأيضا فإن قوة التخيل والتفكر والتذكر تقوى على استحضار المخيلات والمذكرات إلى غير نهاية مع أنها عندكم قوة جسمانية
فإن قلتم لا نسلم أنها تقوى على مالا يتناهي قيل لكم هكذا يقول خصومكم في القوة العاقلة سواء
وأما كذب المقدمة الثانية فإن الإدراك ليس بفعل فلا يلزم من تناهي فعلها تناهي إدراكها وقد صرحتم بأن الجوهر العقلي قابل لصورة المعلوم لا أنها فاعل لها والشيء الواحد لا يكون فاعلا وقابلا عندكم وقد صرحتم بأن الأجسام يمتنع عليها أفعال لا نهاية لها ولا يمتنع عليها مجهولات وانفعالات لا نتناهي وقد أورد ابن سيناء على هذه الشبهة سؤالا فقال أليس النفس الفلكية المباشرة لتحريك الفلك قوة جسمانية مع أن الحركات الفلكية غير متناهية وأجاب عنه بأنها وإن كانت قوة جسمانية إلا أنها تستمد الكمال من العقل المفارق فلهذا السبب قدرت على أفعال غير متناهية
فنقول فإذا كان الأمر عندك كذلك فلم لا يجوز أن يقال النفس الناطقة تستمد الكمال والقوة من فاطرها ومنشئها الذي له القوة جميعا فلا جرم تقوى مع كونها جسمانية على مالا يتناها فإذا قلت بذلك وافقت الرسل والعقل ودخلت مع زمرة المسلمين وفارقت العصبة المبطلين
فصل قولكم في الخامس لو كانت القوة العاقلة حالة في آلة جسمانية لوجب أن تكون دائمة الإدراك لتلك الآلة أو ممتنعة الإدراك لها فهو مبنى على أصلكم الفاسد أن الإدراك عبارة عن حصول صورة مساوية للمدرك في القرة المدركة ثم لو سلمنا لكم ذلك الأصل لم يفدكم شيئا فإن حصول تلك الصورة يكون شرطا لحصول الإدراك فأما أن يقول أو يقال أن الإدراك عين حصول تلك الصورة فهذا لا يقوله عاقل فلم لا يجوز أن يقال القوة العقلية حالة في جسم مخصوص ثم أن القوة الناطقة قد تحصل لها حالة إضافية تسمى بالشعور والإدراك فحينئذ تصير القوة العاقلة مدركة لتلك الآلة وقد لا توجد تلك الحالة الإضافية فتصير غافلة عنها وإذا كان هذا ممكنا سقطت تلك الشبهة رأسا ثم نقول أتدعون أنا إذا عقلنا شيئا فإن الصورة الحاضرة في العقل مساوية لذلك المعقول من جميع الوجوه والاعتبارات أو لا يجب حصول هذه المساواة من جميع الوجوه لم يلزم من حدوث صورة أخرى في القلب أو الدماغ اجتماع المثلين
وأيضا فالقوة العاقلة حالة في جوهر القلب أو الدماغ والصورة الحادثة حالة في القوة العاقلة فإحدى الصورتين محل للقوة العاقلة وأيضا فنحن إذا رأينا المسافة الطويلة والبعد الممتد فهل يتوقف هذا الإبصار على ارتسام صورة المرئي في عين الرائي أو لا يتوقف فإن توقف لزم اجتماع المثلين لأن القوة الباصرة عندكم جسمانية فهي في محل له حجم ومقدار فإذا حصل فيه حجم المرئي ومقداره لزم اجتماع المثلين وإذا جاز هناك فلم لا يجوز مثله في مسئتنا وإن كان إدراك الشيء لا يتوقف على حصول صورة المرئي في الرائي بطل قولكم أن إدراك القلب والدماغ يتوقف على حصول صورة القلب والدماغ في القوة العاقلة
وأيضا فقولكم لو كانت القوة العقلية حالة في جسم لوجب أن تكون دائمة الإدراك لذلك الجسم لكن إدراكنا لقلبنا ودماغنا غير دائم فهذا إنما يلزم من يقول أنها حالة في القلب أو الدماغ وأما من يقول أنها حالة في جسم مخصوص وهو النفس وهي مشابكة للبدن فهذا الإلزام غير وارد عليه فإنه يقول النفس جسم مخصوص والإنسان أبدا عالم بأنه جسم مخصوص ولا يزول ذلك عن عقله إلا إذا عرضت له الغفلة فسقطت الشبهة التي عولتم عليها على كل تقدير
فصل قولكم في السادس ان كل أحد يدرك نفسه والإدراك عبارة عن حصول ماهية المعلوم عند العالم وهذا إنما يصح إذا كانت النفس غنية عن المحل إلى آخره
جوابه أن ذلك مبنى على الأصل المتقدم وهو أن العلم عبارة عن حصول صورة مساوية للمعلوم في نفس العالم وهذا باطل من وجوه كثيرة مذكورة في مسألة العلم حتى لو سلم ذلك فالصورة المذكورة شرطا في حصول العلم لا أنها نفس العلم
وأيضا فهذه الشبهة مع ركاكة ألفاظها وفساد مقدماتها منقوضة فإنا إذا أخذنا حجرا أو خشبة قلنا هذا جوهر قائم بنفسه فذاته حاضرة عند ذاته فيجب في هذه الجمادات أن تكون عالمة بذواتها
وأيضا فجميع الحيوانات مدركة لذواتها فلو كان كون الشيء مدركا لذاته تقتضي كون ذاته جوهرا مجردا لزم كون نفوس الحيوانات بأسرها جواهر مجردة وأنتم لا تقولون بذلك
فصل قولكم في السابع الواحد منا يتخيل بحرا من زئبق وجبلا من ياقوت إلى آخره وهو شبهة أبى البركات البغدادي فشبهة داحضة جدا فإنها مبنية على أن تلك المتخيلات أمور موجودة وأنها منطبعه في النفس في محله ومعلوم قطعا أن هذه المخيلات لا حقيقة لها في ذاتها وغنما الذهن يفرضها تقديرا وليست منطبعة في النفس فإن العلوم الخارجية لا تنطبع صورها في النفس فكيف بالخيالات المعدومة فهذه مندحضة ولا يمنع من وقوع التمييز بين الإعدام المضافة فإن العقل يميز بين عدم السمع وعدم البصر وعدم الشم وغير ذلك ولا يلزم من هذا التمييز كون هذه الإعدام موجودة بل يميز بين أنواع المستحيلات التي لا يمكن وجودها البتة ثم نقول إذا عقل حلول الأشكال والمقادير فيما كان مجردا عن الحجمية والمقدار من كل الوجوه أفلا يعقل حلول العلم بالشكل العظيم والمقدار العظيم في الجسم الصغير وأيضا فإذا كان عدم الانطباق من جميع الوجوه لا يمنع من حلول الصورة والشكل في الجوهر المجرد فعدم انطباق العظيم على الصغير أولى أن لا يمنع من حلول الصورة العظيمة في المحل الصغير
وأيضا فإن سلفكم من الأوائل أقاموا الدليل على أن انطباع الصورة الحالة في الجوهر المجرد محال وذكروا له وجوها
فصل قولكم في الثامن لو كانت القوة العقلية جسدانية لضعفت في زمن الشيخوخة وليس كذلك جوابه من وجوه
الوجه الأول لم يجوز أن يقال القدر المحتاج إليه من صحة البدن في كمال القوة العقلية مقدار معين وأما كمال حال البدن في الصحة فإنه غير معتبر في كمال حال القوة العقلية وإذا احتمل ذلك لم يبعد أن يقال ذلك القدر المحتاج إليه باق إلى آخر الشيخوخة فبقى العقل إلى آخرها
الوجه الثاني أن الشيخ لعله إنما يمكنه أن يستمر في الإدراكات العقلية على الصحة أن عقله يبقى ببعض الأعضاء التي يتأخر الفساد والاستحالة إليها فإذا انتهي إليها الفساد والاستحالة فسد عقله وإدراكه
الوجه الثالث أنه لا يمتنع أن يكون بعض الأمزجة أوفق لبعض القوى فلعل مزاج الشيخ أوفق للقوة العقلية فلهذا السبب تقوى فيه القوة العاقلة
الوجه الرابع أن المزاج إذا كان في غاية القوة والشدة كانت سائر القوى قوية فتكون القوة الشهوانية والغضبية قوية جدا وقوة هذه القوى تمنع العقل من الاستكمال فإذا حصلت القوة الشيخوخة وحصل الضعف حصل بسبب الضعف ضعف في هذه القوى المانعة للعقل من الاستكمال وحصل في العقل أيضا ضعف ولكن بعد ما حصل في العقل من الضعف حصل ذلك في أضداده فينجبر النقصان من أحد الجانبين بالنقصان من الجانب الآخر فيقع الاعتدال
الوجه الخامس أن الشيخ حفظ العلوم والتجارب الكثيرة ومارس الأمور ودربها

وكثرت تجاربه وهذه الأحوال تعينه على وجوه الفكر وقوة النظر فقام النقصان الحاصل بسبب ضعف البدن والقوى
الوجه السادس أن كثرة الأفعال بسبب حصول الملكات الراسخة فصارت الزيادة الحاصلة بهذا الطريق جابرا للنقصان الحاصل بسبب اختلال البدن
الوجه السابع أنه قد ثبت في الصحيح عنه أنه قال يهرم ابن آدم وتشب فيه خصلتان الحرص وطول الأمل والواقع شاهد لهذا الحديث مع أن الحرص والأمل من القوى الجسمانية والصفات الخيالية ثم أن ضعف البدن لم يوجب ضعف هاتين الصفتين فعلم أنه لا يلزم من اختلال البدن وضعفه ضعف الصفات البدنية
الوجه الثامن أنا نرى كثيرا من الشيوخ يصيرون إلى الخزف وضعف العقل بل هذا هو الأغلب ويدل عليه قوله تعالى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعمل بعد علم شيئا فالشيخ في أرذل عمره يصير كالطفل أو أسوأ حالا منه وأما من لم يحصل له ذلك فإنه لا يرد إلى أرذل العمر
الوجه التاسع أنه لا تلازم بين قوة البدن وقوة النفس ولا بين ضعفه وضعفها فقد يكون الرجل قوي البدن ضعيف النفس جبانا خوارا وقد يكون ضعيف البدن قوي النفس فيكون شجاعا مقداما على ضعف بدنه
الوجه العاشر أنه لو سلم لكم ما ذكرتم لم يدل على كون النفس جوهرا مجردا لا داخلي العالم ولا خارجه ولا هي في البدن ولا خارجة عنه لأنها إذا كانت جسما صافيا مشرقا سماويا مخالفا للأجسام الأرضية لم تقبل الانحلال والذبول والتبدل كما تقبله الأجسام المتحللة الأرضية فلا يلزم من حصول الانحلال والذبول في هذا البدن حصولهما في جوهر النفس
فصل قولكم في التاسع أن القوة العقلية غنية في أفعالها عن الجسم وما كان غنيا عن الجسم في أفعاله كان غنيا عنه في ذاته إلى آخره جوابه أن يقال لا يلزم من ثبوت حكم في قوة جسمانية ثبوت مثل ذلك الحكم في جميع القوى الجسمانية وليس معكم غير الدعوى المجردة والقياس الفاسد

وأيضا فالصور والأعراض محتاجة إلى محلها وليس احتياجها إلى تلك المحال إلا لمجرد ذواتها ولا يلزم من استقلالها بهذا الحكم استغناؤها في ذواتها عن تلك المحال فلا يلزم من كون الشيء مستقلا باقتضاء حكم من الأحكام أن يكون مستغنيا في ذاته عن المحال والله أعلم
فصل قولكم في العاشر أن القوة الجسمانية تكل بكثرة الأفعال ولا تقوى على القوى بعد الضعف إلى آخره جوابه أن القوة الخيالية جسمانية ثم إنها تقوى على تخيل الأشياء العظيمة مع تخيلها الأشياء الحقيرة فإنها يمكنها أن تتخيل الشعلة الصغيرة حال ما تخيل الشمس والقمر
وأيضا فإن الإبصار القوية القاهرة تمنع إبصار الأشياء الضعيفة فكذلك نقول العقول العظيمة العالية تمنع تعقل المعقولات الضعيفة فإن المستغرق في معرفة جلال رب الأرض والسموات وأسمائه وصفاته يمتنع عليه في تلك الحال الفكر في ثبوت الجوهر الفرد وحقيقته
فصل قولكم في الحادي عشر إنا إذا حكمنا بأن السواد مضاد للبياض وجب أن يحصل في الذهن ماهية السواد والبياض معا والبداهة حاكمة بأن اجتماعهما في الجسم محال جوابه أن هذا مبنى على أن من أدرك شيئا فقد حصل في ذات المدرك صورة مساوية للمدرك وهذا باطل واستدلالكم على صحته بانطباع الصورة في المرآة باطل فإن المرآة لم ينطبع فيها شيء البتة كما يقوله جمهور العقلاء من الفلاسفة والمتكلمين وغيرهم والقول بالانطباع باطل من وجوه كثيرة ثم نقول إذا كنتم قد قلتم ان المتطبع في النفس عند إدراك السواد والبياض رسومهما ومثالهما لا حقيقتهما فلم لا يجوز حصول رسوم هذه الأشياء في المادة الجسمانية
فصل قولكم في الثاني عشر أنه لو كان محل الإدراكات جسما وكل جسم منقسم لم يمنع أن يقوم ببعض أجزاء الجسم علم بالشيء وبالجزء الآخر منه جهل به فيكون الإنسان عالما بالشيء جاهلا به في وقت واحد جوابه أن هذه الشبهة منتقضة على أصولكم فإن الشهوة والغضب والتخيل من الأحوال الجسمانية عندكم ومحلها منقسم فلزمكم أن تجوزوا قيام الشهوة والغضب بأحد الجزأين وضدهما بالجزء الآخر فيكون مشتهيا للشيء نافرا عنه غضبان عليه غير غضبان في وقت واحد

فصل قولكم في الثالث عشر أن المادة الجسمانية إذا حصلت فيها نقوش مخصوصة امتنع فيها حصول مثلها والنفوس البشرية بضد ذلك إلى آخره
جوابه أن غاية هذا أن يكون قياسا ممتازا بغير جامع وذلك لا يفيد الظن فضلا عن اليقين فإن النقوش العقلية هي العلوم والإدراكات والنقوش الجسمانية هي الأشكال والصور ولا ريب أن العلوم مخالفة بحقائقها للصور والأشكال ولا يلزم من ثبوت حكم في نوع من أنواع الماهيات ثبوته فيما يخالف ذلك النوع
فصل قولكم في الرابع عشر لو كانت النفس جسما لكان بين تحريك المحرك رجله وبين إرادته للحركة زمان إلى آخره
جوابه أن النفس مع الجسد لا تخلو من ثلاثة أحوال إما أن تكون لابسة لجميعه من خارج كالثوب أو تكون في موضع واحد كالقلب والدماغ أو تكون سارية في جميع أجزاء الجسد وعلى كل تقدير من هذه التقادير فتحريكها لما تريد تحريكه يكون مع إرادتها لذلك بلا زمان كإدراك البصر لما يلاقيه وإدراك السمع والشم والذوق وإذا قطع العضو لم ينقطع ما كان من جسم النفس متجللا لذلك العضو سواء كانت لابسة له من داخل أو من خارج بل تفارق العضو الذى بطل حسه في الوقت وتتقلص عنه بلا زمان ويكون مفارقتها لذلك العضو كمفارقة الهواء للإناء إذا ملىء ماء وأما إن كانت النفس ساكنة في موضع واحد من البدن لم يلزم ان تبين مع العضو المقطوع وأما إن كانت لابسة للبدن من خارج لم يلزم أن يكون بين إرادتها لتحريكه ونفس التحريك زمان بل يكون فعلها حينئذ في تحريك الأعضاء كفعل المغناطيس في الحديد وإن لم يلاصقه
ثم نقول هذا الهذيان الذي شغلتم به الزمان وارد عليكم بعينه فإنها عندكم غير متصلة بالبدن ولا منفصلة عنه ولا داخلة فيه ولا خارجة عنه فيلزمكم مثل ذلك
فصل قولكم في الخامس عشر لو كانت جسما لكانت منقسمة ولصح عليها أن تعلم بعضها وتجهل بعضها فيكون الإنسان عالما ببعض نفسه جاهلا بالبعض الآخر

جوابه أن هذه الشبهة مركبة من مقدمتين تلازميه واستثنائية والمنع واقع في كلا المقدمتين أو إحداهما فلا نسلم أنها لو كانت جسما لصح أن تعلم بعضها وتجهل بعضها فإن لنفس بسيطة غير مركبة من هذه العناصر ولا من الأجزاء المختلفة فمتى شعرت بذاتها شعرت بجهلها فهذا منع المقدمة التلازمية
وأما الاستثنائية فلا نسلم أنها لا يصح أن تعلم بعضها حال غفلتها عن البعض الآخر ولم تذكروا على بطلان ذلك شبهة فضلا عن دليل ومن المعلوم أن الإنسان قد يشعر بنفسه من بعض الوجوه دون كلها ويتفاوت الناس في ذلك فمنهم من يكون شعوره بنفسه أتم من غيره بدرجات كثيرة وقد قال تعالى ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم فهؤلاء نسوا نفوسهم لا من جميع الوجوه بل من الوجه الذي به مصالحها وكمالها وسعادتها وإن لم ينسوها من الوجه الذي منه شهوتها وحظها وإرادتها فأنساهم مصالح نفوسهم أن يفعلوها ويطلبوها وعيوبها ونقائصها أن يزيلوها ويجتنبوها وكمالها الذي خلقت له أن يعرفوه ويطلبوه فهم جاهلون بحقائق أنفسهم من هذه الوجوه وإن كانوا عالمين بها من وجوه أخر
فصل قولكم في السادس عشر لو كانت النفس جسما لوجب ثقل البدن بدخولها فيه لأن من شأن الجسم إذا زدت عليه جسما آخر أن يثقل به
فهذه شبهة في غاية الثقلة والمحتج بها أثقل وليس كل جسم زيد عليه جسم آخر ثقله فهذه الخشبة تكون ثقيلة فإذا زيد عليها جسم النار خفت جدا وهذا الظرف يكون ثقيلا فإذا دخله جسم الهواء خف وهذا إنما يكون في الأجسام الثقال التي تطلب المركز والوسط بطبعها وهي تتحرك بالطبع إليه وأما الأجسام التي تتحرك بطبعها إلى العلو فلا يعرض لها ذلك بل الأمر فيها بالضد من تلك الأجسام الثقال بل إذا أضيفت إلى جسم ثقيل أكسبته الخفة وقد أخذ هذا المعنى بعضهم فقال
ثقلت زجاجات أتتنا فرغا ... حتى إذا ملئت بصرف الراح
خفت فكادت أن تطير بما حوت ... وكذا الجسوم تخف بالأرواح
فصل قولكم في السابع عشر لو كانت النفس جسما لكانت على صفات سائر الأجسام التي لا تخلو منها من الخفة والثقل والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والنعومة والخشونة

إلى آخره شبهة فاسدة وحجة داحضة فإنه لا يجب اشتراك الأجسام في جميع الكيفيات والصفات وقد فاوت الله سبحانه بين صفاتها وكيفياتها وطبائعها منها ما يرى بالبصر ويلمس باليد ومنها ما لا يرى ولا يلمس ومنا ماله لون ومنها مالا لون له ومنها مالا يقل الحرارة والبرودة ومنها ما يقبله على أن للنفس من الكيفيات المختصة بها مالا يشاركها فيها البدن ولها خفة وثقل وحرارة وبرودة ويبس ولين يحسبها وأنت تجد الإنسان في غاية الثقالة وبدنه نحيل جدا وتجده في غاية الخفة وبدنه ثقيل وتجد نفسها لينة وادعة ونفسا يابسة قاسية ومن له حس سليم يشم رائحة بعض النفوس كالجيفة المنتنة ورائحة بعضها أطيب من ريح المسك وقد كان رسول الله إذا مر في طريق بقي أثر رائحته في الطريق ويعرف أنه مر بها وتلك رائحة نفسه وقلبه وكانت رائحة عرقه من أطيب شيء وذلك تابع لطيب نفسه وبدنه وأخبر وهو أصدق البشر أن الروح عند المفارقة يوجد ! لها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض أو كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض ولولا الزكام الغالب لشم الحاضرون ذلك على أن كثيرا من الناس يجد ذلك وقد أخبر به غير واحد ويكفي فيه خبر الصادق المصدوق وكذلك أخبر بأن أرواح المؤمنين مشرقة وأرواح الكفار سود
وبالجملة فكيفيات النفوس أظهر من أن ينكرها إلا من هو من أجهل الناس بها
فصل قولكم في الثامن عشر لو كانت النفس جسما لوجب أن تقع تحت جميع الحواس أو تحت حاسة منها إلى آخره
فجوابه منع اللزوم فإنكم لم تذكروا عليه شبهة فضلا عن دليل ومنع انتفاء اللازم فإن الروح تدرك بالحواس فتلمس وترى وتشم لها الرائحة الطيبة والخبيثة كما تقدم في النفوس المستفيضة ولكن لا نشاهد نحن ذلك وهذا الدليل لا يمكن ممن يصدق الرسل أن يحتج به فإن الملك جسم ولا يقع تحت حاسة من حواسنا وكذلك الجن والشياطين أجسام لطاف لا تقع تحت حاسة من حواسنا والأجسام متفاوتة في ذلك تفاوتا كثيرا فمنها ما يدرك أكثر ! الحواس ومنها مالا يدرك بأكثرها ومنا ما يدرك بحاسة واحدة ومنها مالا ندركه نحن في الغالب وإن أدرك في بعض الأحوال لكونه لم يخلق لنا إدراكه أو لمانع يمنع من إدراكه أو للطفه عن إدراك حواسنا فما عدم اللون من الأجسام لم يدرك بالبصر كالهواء والنار في عنصرها وما عدم الرائحة لم يدرك بالشم كالنار والحصا والزجاج وما عدم المجسة لم يدرك باللمس كالهواء الساكن

وأيضا فالروح هي المدركة لمدارك هذه الحواس بواسطة آلاتها فالنفس هي الحاسة المدركة وإن لم تكن محسوسة فالأجسام والأعراض محسوسة والنفس محسة بها وهي القابلة لأعراضها المتعاقبة عليها من الفضائل والرذائل كقبول الأجرام لأعراضها المتعاقبة عليها وهي المتحركة بأختيارها المحركة للبدن قسرا وقهرا وهي مؤثرة في البدن متأثرة به تألم وتلذ وتفرح وتحزن وترضى وتغضب وتنعم وتبأس وتحب وتكره وتذكر وتنسى وتصعد وتنزل وتعرف وتنكر وآثارها من أدل الدلائل على وجودها كما أن آثار الخالق سبحانه دالة على وجوده وعلى كماله فإن دلالة الأثر على مؤثره ضرورية
وتأثيرات النفوس بعضها في بعض أمر لا ينكره ذو حس سليم ولا عقل مستقيم ولا سيما عند تجردها نوع تجرد عن العلائق والعوائق البدنية فإن قواها تتضاعف وتتزايد بحسب ذلك ولا سيما عند مخالفة هواها وحملها على الأخلاق العالية من العفة والشجاعة والعدل والسخاء وتجنبها سفساف الأخلاق ورذائلها وسافلها فإن تأثيرها في العالم يقوي جدا تأثيرا يعجز عنه البدن وأعراضه أن تنظر إلى حجر عظيم فتشقه أو حيوان كبير فتتلفه أو إلى نعمة فتزيلها وهذا أمر قد شاهدته الأمم على اختلاف أجناسها وأديانها وهو الذي سمى إصابة العين فيضيفون الأثر إلى العين وليس لها في الحقيقة وإنما هو النفس المتكيفة بكيفية ردية سمية وقد تكون بواسطة نظر العين وقد لا نكون بل يوصف له الشيء من بعيد فتتكيف عليه نفسه بتلك الكيفية فتفسده وأنت ترى تأثير النفس في الأجسام صفرة وحمرة وارتعاشا بمجرد مقابلتها لها وقوتها وهذه وأضعافها آثار خارجة عن تأثير البدن وأعراضه فإن البدن لا يؤثر إلا فيما لاقاه وماسه تأثيرا مخصوصا ولم تزل الأمم تشهد تأثير الهمم الفعالة في العالم وتستعين بها وتحذر أثرها وقد أمر رسول الله أن يغسل العائن مغابنه ومواضع القذر منه ثم يصب ذلك الماء على المعين فإنه يزيل عنه تأثير نفسه فيه وذلك بسبب أمر طبعي اقتضته حكمة الله سبحانه فإن النفس الأمارة لها بهذه المواضع تعلق وألف والأرواح الخبيثة الخارجية تساعدها وتألف هذه المواضع غالبا للمناسبة بينها وبينها فإذا غسلت بالماء طفئت تلك النارية منها كما يطفأ الحديد المحمى بالماء فإذا صب ذلك الماء على المصاب طفأ عنه تلك النارية التي وصلت إليه من البعائن وقد وصف الأطباء الماء الذي يطفأ فيه الحديد لآلام وأوجاع معروفة وقد جرب الناس من تأثير الأرواح بعضها في بعض عند تجردها في المنام عجائب تفوت الحصر وقد نبهنا على بعضها فيما مضى فعالم الأرواح عالم آخر أعظم من عالم الأبدان وأحكامه وآثاره

أعجب من آثار الأبدان بل كل ما في العالم من الآثار الإنسانية فإنما هي من تأثير النفوس بواسطة البدن فالنفوس والأبدان يتعاونان على التأثير تعاون المشتركين في الفعل وتنفره النفس بآثار لا يشاركها فيها البدن ولا يكون للبدن تأثير لا تشاركه فيه النفس
فصل قولكم في التاسع عشر لو كانت النفس جسما لكانت ذات طول وعرض وعمق وشكل وسطح وهذه المقادير لا تقوم إلا بمادة إلى آخره
جوابه أنا نقول قولكم هذه المقادير لا تقوم إلا بمادة قلنا وكان ماذا والنفس لها مادة خلقت منها وجعلت على شكل معين وصورة معينة
قولكم مادتها إن كانت نفسا لزم اجتماع نفسين وإن كانت غير نفس كانت مركبة من بدن وصورة
قلنا مادتها ليست نفسا كما أن مادة الإنسان ليست إنسانا ومادة الجن ليست جنا ومادة الحيوان ليست حيوانا
قولكم يلزم كون النفس مركبة من بدن وصورة مقدمة كاذبة وإنما يلزم كون النفس مخلوقة من مادة ولها صورة معينة وهكذا نقول سواء ولم تذكروا على بطلان هذه شبهة فضلا عن حجة ظنية أو قطعية
فصل قولكم في الوجه العشرين أن خاصة الجسم أن يقبل التجزيء ! وأن الجزء
الصغير منه ليس كالكبير فلو قبلت التجزيء فكل جزء منها إن كان نفسا لزم أن يكون للإنسان نفوس كثيرة وإن لم يكن نفسا لم يكن المجموع نفسا
جوابه إن أردتم أن كل جسم يقبل التجزيء في الخارج فكذب ظاهر فإن الشمس والقمر والكواكب لا تقبل ذلك ولا يلزم أن كل جسم يصح عليه التجزيء والتبعيض في الخارج أما على قول نفاة الجوهر الفرد فظاهر وأما على قول متبنيه ! فإنه عندهم جوهر متحيز لا يصح عليه قبول الانقسام سلمنا أنها تقبل الانقسام فأي شيء يلزم من ذلك
قولكم إن كان كل جزء من تلك الأجزاء نفسا لزم اجتماع نفوس كثيرة في الإنسان
قلنا إنما يلزم ذلك لو انقسمت النفس بالفعل إلى نفوس كثيرة وهذا محال
قولكم وإن لم يكن كل جزء نفسا لم يكن المجموع نفسا مقدمة كاذبة منتقضة فكم ماهية ثبت لها حكم عند اجتماع أجزائها فإن ذلك الحكم كماهية البيت والإنسان والعشرة وغيرها

فصل قولكم في الوجه الحادي والعشرين أن الجسم يحتاج في قوامه وبقائه وحفظه إلى نفس أخرى ويلزم التسلسل
جوابه أنه يلزم من افتقار البدن إلى نفس تحفظه افتقار النفس إلى نفس تحفظها وهل ذلك إلا بمجرد دعوة كاذبة مستندة إلى قياس قد تبين بطلانه فإن كل جسما لا يصير إلى نفس تحفظه كأجسام المعادن وجسم الهواء والماء والنار والتراب وأجسام سائر الجمادات
فإن قلتم إن هذه ليست أحياء ناطقة بخلاف النفس فإنها حية ناطقة
قلنا فحينئذ يبقى الدليل هكذا أي كل جسم حي ناطق يحتاج في حفظه وقيامه إلى نفس نقوم به وهذه دعوى مجردة وهي كاذبة فإن الجن والملائكة أحياء ناطقون وليسوا مفتقرين في قيامهم إلى أرواح أخر تقوم بهم
فإن قلتم وكلامنا معكم في الجن والملائكة فإنهم ليسوا بأجسام متحيزة
قلنا الكلام مع من يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وأما من كفر بذلك فالكلام معه في النفس ضائع وقد كفر بفاطر النفس ومبدعها وملائكته وما جاءت به رسله وكان تاركا ما دل عليه العيان مع دليل الإيمان فإن الآثار المشهودة في العالم من تأثيرات الملائكة والجن بإذن ربهم لا يمكن إنكارها وهي موجودة بنفسها ولا تقدر عليها القوى البشرية
فصل قولكم في الثاني والعشرين لو كانت جسما لكان اتصالها بالبدن إن كان على سبيل المداخلة لزم تداخل الأجسام وإن كان على سبيل الملاصقة والمجاورة كان للإنسان الواحد جسمان متلاصقان أحدهما يرى والآخر لا يرى
جوابه من وجوه
أحدها أن تتداخل الأجسام المحال أن يتداخل جسمان كثيفان أحدهما في الآخر بحيث يكون حيزهما واحدا وأما أن يدخل جسم لطيف في كثيف يسرى فيه فهذا ليس بمحال
الثاني أن هذا باطل بصور كثيرة منها دخول الماء في العود والسحاب ودخول النار في الحديد ودخول الغذاء في جميع أجزاء البدن ودخول الجن في المصروع فالروح للطافتها لا يمتنع عليها مشابكة البدن والدخول في جميع أجزائه

الثالث أن حيز النفس البدن وحيزه مكانه المنفصل عنه وهذا ليس بتداخل ممتنع فإذا فارقته صار لها حيز آخر غير حيزه وحينئذ فلا يتداخلان بل يصير لكل منهما حيز يخصه وبالجملة فدخول الروح في البدن الطف من دخول الماء في الثرى والدهن في البدن فهذه الشبهة الفاسدة لا يعارض بها ما دل عليها نصوص الوحي والأدلة العقلية وبالله التوفيق
المسألة العشرون وهي هل النفس والروح شيء واحد أو شيئان متغايران فأختلف الناس في ذلك
فمن قائل أن مسماهما واحد وهم الجمهور
ومن قائل أنهما متغايران ونحن نكشف سر المسألة بحول الله وقوته فنقول النفس تطلق على أمور
أحدها الروح قال الجوهري النفس الروح يقال خرجت نفسه قال أبو خراش
نجما سالما والنفس منه بشدقه ... ولم ينج إلا جفن سيف ومئزر
أي بجفن سيف ومئزر والنفس والدم قال سألت نفسه وفي الحديث مالا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه والنفس الجسد
قال الشاعر
نبئت أن بني تميم أدخلوا ... أبناءهم تامور نفس المنذر
والتامور الدم والنفس العين يقال أصابت فلانا أي عين
قلت ليس كما قال بل النفس ها هنا الروح ونسبة الإضافة إلى العين توسع لأنها تكون بواسطة النظر المصيب والذي أصابه إنما هو نفس العائن كما تقدم
قلت والنفس في القرآن تطلق على الذات بحملتها كقوله تعالى فسلموا على أنفسكم وقوله تعالى يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وقوله تعالى كل نفس بما كسبت رهينة وتطلق على الروح وحدها كقوله تعالى يا أيتها النفس المطمئنة وقوله تعالى أخرجوا أنفسكم وقوله تعالى ونهى النفس عن الهوى وقوله تعالى إن النفس لأمارة بالسوء
وأما الروح فلا تطلق على البدن لا بإنفراده ولا مع النفس وتطلق الروح على القرآن الذي أوحاه الله تعالى إلى رسوله قال تعالى وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا
وعلى الوحي الذي يوحيه إلى أنبيائه ورسله قال تعالى يلقى الروح من أمره على من

يشاء من عباده لينذر يوم التلاق ! وقال تعالى ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فإتقون وسمى ذلك روحا لما يحصل به من الحياة النافعة فإن الحياة بدونه لا تنفع صاحبها البتة بل حياة الحيوان البهيم ! خير منها وأسلم عاقبة
وسميت الروح روحا لأن بها حياة البدن وكذلك سميت الريح لما يحصل بها من الحياة وهي من ذوات الواو ولهذا تجمع على أرواح قال الشاعر
إذا ذهبت الأرواح من نحو أرضكم ... وجدت لمسرها على كبدي بردا
ومنها الروح والريحان والاستراحة فسميت النفس روحا لحصول الحياة بها وسميت نفسا إما من الشيء النفيس لنفاستها وشرفها وإما من تنفس الشيء إذا خرج فلكثرة خروجها ودخولها في البدن سميت نفسا ومنه النفس بالتحريك فإن العبد كلما نام خرجت منه فإذا استيقظ رجعت إليه فإذا مات خرجت خروجا كليا فإذا دفن عادت إليه فإذا سئل خرجت فإذا بعث رجعت إليه
فالفرق بين النفس والروح فرق بالصفات لا فرق بالذات وإنما سمي الدم نفسا لأن خروجه الذي يكون معه الموت يلازم خروج النفس وإن الحياة لا تتم إلا به كما لا تتم إلا بالنفس فلهذا قال
تسيل على حد الظباة نفوسنا ... وليست على غير الظباة تسيل
ويقال فاضت نفسه وخرجت نفسه وفارقت نفسه كما يقال خرجت روحه وفارقت ولكن الفيض الاندفاع وهلة واحدة ومنه الإفاضة وهي الاندفاع بكثرة وسرعة لكن أفاض إذا دفع بإختياره وإرادته إذا اندفع قسرا وقهرا فالله سبحانه هو الذي يفيضها عند الموت فتفيض هي
فصل وقالت فرقة أخرى من أهل الحديث والفقه والتصوف الروح غير النفس قال مقاتل بن سليمان للإنسان حياة وروح ونفس فإذا نام خرجت نفسه التي يعقل بها الأشياء ولم تفارق الجسد بل تخرج كحبل ممتد له شعاع فيرى الرؤيا بالنفس التي خرجت منه وتبقى الحياة والروح في الجسد فيه يتقلب ويتنفس فإذا حرك رجعت إليه أسرع من طرفة عين فإذا أراد الله عز و جل أن يميته في المنام أمسك تلك النفس التي خرجت وقال أيضا إذا نام خرجت نفسه فصعدت إلى فوق فإذا رأت الرؤيا رجعت فأخبرت الروح ويخبر الروح فيصبح يعلم أنه قد رأى كيت وكيت

قال أبو عبد الله بن منده ثم اختلفوا في معرفة الروح والنفس فقال بعضهم النفس طينية نارية والروح نورية روحانية
وقال بعضهم الروح لاهوتية والنفس ناسوتية وأن الخلق بها ابتلى
وقالت طائفة وهم أهل الأثر أن الروح غير النفس والنفس غير الروح وقوام النفس بالروح والنفس صورة العبد والهوى والشهوة والبلاء معجون فيها ولا عدو أعدى لابن آدم من نفسه فالنفس لا تريد إلا الدنيا ولا تحب إلا إياها والروح تدعو إلى الآخرة وتؤثرها وجعل الهوى تبعا للنفس والشيطان تبع النفس والهوى والملك مع العقل والروح والله تعالى يمدهما بالهامة وتوفيقه
وقال بعضهم الأرواح من أمر الله أخفى حقيقتها وعلمها على الخلق
وقال بعضهم الأرواح نور من نور الله وحياة من حياة الله
ثم اختلفوا في الأرواح هل تموت بموت الأبدان والأنفس أو لا تموت
فقالت طائفة الأرواح لا تموت ولا تبلى
وقالت الجماعة الأرواح على صور الخلق لها أيد وأرجل وأعين وسمع وبصر ولسان
وقالت طائفة للمؤمن ثلاثة أرواح وللمنافق والكافر روح واحدة
وقال بعضهم للأنبياء والصديقين خمس أرواح
وقال بعضهم الأرواح روحانية خلقت من الملكوت فإذا صفت رجعت إلى الملكوت
قلت أما الروح التي تتوفى وتقبض فهي روح واحدة وهي النفس
وأما ما يؤيد الله به أولياءه من الروح فهي روح أخرى غير هذه الروح كما قال تعالى أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه وكذلك الروح الذي أيد بها روحه المسح ابن مريم كما قال تعالى إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدك بروح القدس وكذلك الروح التي يلقيها على من يشاء من عباده هي غير الروح التي في البدن
وأما القوى التي في البدن فإنها تسمى أيضا أرواحا فيقال الروح الباصر والروح السامع والروح الشام فهذه الأرواح قوى مودعة في البدن تموت بموت الأبدان وهي غير الروح التي لا تموت بموت البدن ولا تبلى كما يبلى ويطلق الروح على أخص من هذا كله وهو قوة

المعرفة بالله والإنابة إليه ومحبته وانبعاث الهمة إلى طلبه وإرادته ونسبة هذه الروح إلى الروح كنسبة الروح إلى البدن فإذا فقدتها الروح كانت بمنزلة البدن إذا فقد روحه وهي الروح التي يؤيد بها أهل ولايته وطاعته ولهذا يقول الناس فلان فيه روح وفلان ما فيه روح وهو بو وهو قصبة فارغة ونحو ذلك
فللعلم روح وللإحسان روح وللإخلاص روح وللمحبة والإنابة روح وللتوكل والصدق روح والناس متفاوتون في هذه الأرواح أعظم تفاوت فمنهم من تغلب عليه هذه الأرواح فيصير روحانيا ومنهم من يفقدها أو أكثرها فيصير أرضيا بهيميا والله المستعان
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
aiglemaster
 
 
aiglemaster


السٌّمعَة والتميز السٌّمعَة والتميز : 1
نقاط التميز نقاط التميز : 9393
عدد المساهمات : 104
التسجيل : 02/06/2012
الجنـس/ : ذكر
الأوسمة  ما حقيقة النفس الجزء الثالث Plaque10

 ما حقيقة النفس الجزء الثالث Empty
مُساهمةموضوع: رد: ما حقيقة النفس الجزء الثالث    ما حقيقة النفس الجزء الثالث I_icon_minitimeالسبت 4 أغسطس - 17:25:21

الـسـلآمـ عـلـيـكمـ ورحـمـة الله وبـركـآتـه


مــوضــوعـك غـايـة فـي الـروعـة


شـكـرا جـزيـلا ولاتـحـرمـنـا


مـن مـشـاركـاتـك الـقـيـمـة وفقك لله


تحياتي أخوكم في الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ما حقيقة النفس الجزء الثالث
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ما حقيقة النفس الجزء الاول
» ما حقيقة النفس اجزء الثانى
» حقيقة علميَّة اغرب من الخيال
» علم النفس الفردي
» علم النفس الرياضي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى أحلى فنون :: منتديات العلوم والثقافات والحضارات المختلفة :: الثقافة والعلوم الإنسانية-
انتقل الى: