بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كمالة ماحقيقة النفس الجزءوذكر الحارث بن أسد المحاسبي واصبغ وخلف بن القاسم وجماعة عن سعيد بن مسلمة قال بينما امرأة عند عائشة إذ قالت بايعت رسول الله على أن لا أشرك بالله شيئا ولا أسرق ولا أزني ولا أقتل ولدي ولا آتي ببهتان أفتريه من بين يدي ورجلي ولا أعصي في معروف فوفيت لربي ووفا لي ربي فوالله لا يعذبني الله فأتاها في المنام ملك فقال لها كلا إنك تتبرجين وزينتك تبدين وخيرك تكندين وجارك تؤذين وزوجك تعصين ثم وضع أصابعه الخمس على وجهها وقال خمس بخمس ولو زدت زدناك فأصبحت وأثر الأصابع في وجهها
وقال عبد الرحمن بن القاسم صاحب مالك سمعت مالكا يقول إن يعقوب بن عبد الله بن الأشج كان من خيار هذه الأمة نام في اليوم الذي استشهد فيه فقال لأصحابه إني قد رأيت أمرا ولأخبرنه أني رأيت كأني أدخلت الجنة فسقيت لبنا فأستبقاء فقاء اللبن واستشهد بعد ذلك قال أبو القاسم وكان في غزوة في البحر بموضع لا لبن فيه وقد سمعت غير مالك يذكره ويذكر أنه معروف فقال أني رأيت كأني أدخل الجنة فسقيت فيها لبنا فقال له بعض القوم أقسمت عليك لما تقيأت فقاء لبنا يصلد أي يبرق وما في السفينة لبن ولا شاة قال ابن قتيبة قوله يصلد أي يبرق يقال صلد اللبن ومنه يصلد ومنه حديث عمر أن الطبيب سقاه لبنا فخرج من الطعنة أبيض يصلد
وكان نافع القارىء إذا تكلم يشم من فيه رائحة المسك فقيل له كلما قعدت تتطيب فقال ما أمس طيبا ولا أقربه ولكن رأيت النبي في المنام وهو يقرأ في فمي فمن ذلك الوقت يشم من في هذه الرائحة
وذكر مسعدة في كتابه في الرؤيا عن ربيع بن الرقاشي قال أتاني رجلان فقعدا إلى فأغتابا رجلا فنهيتهما فأتاني أحدهما بعد فقال إني رأيت في المنام كأن زنجيا أتاني بطبق عليه جنب خنزير لم أر لحما قط اسمن منه فقال لي كل فقلت آكل لحم خنزير فتهددني فأكلت فأصبحت وقد تغير فمي فلم يزل يجد الريح في فمه شهرين
وكان العلاء بن زياد له وقت يقوم فيه فقال لأهله تلك الليلة إني أجد فترة فإذا كان وقت كذا فأيقظوني فلم يفعلوا قال فأتاني آت في منامي فقال قم يا علاء بن زياد اذكر الله يذكرك وأخذ بشعرات في مقدم رأسي فقامت تلك الشعرات في مقدم رأسي فلم تزل قائمة حتى مات قال يحيى بن بسطام فلقد غسلناه يوم مات وإنهن لقيام في رأسه
وذكر ابن أبي الدنيا عن أبي حاتم الرازي عن محمد بن علي قال كنا بمكة في المسجد الحرام قعودا فقام رجل نصف وجهه أسود ونصفه أبيض فقال يا أيها الناس اعتبروا بي فإني كنت أتناول الشيخين وأشتمهما فبينما أنا ذات ليلة نائم إذ أتاني آت فرفع يده فلطم وجهي وقال لي يا عدو الله يا فاسق ألست تسب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فأصبحت وأنا على هذه الحالة
وقال محمد بن عبد الله المهلبي رأيت في المنام كأني في رحبة بني فلان وإذا النبي جالس على أكمة ومعه أبو بكر وعمر واقف قدامه فقال له عمر يا رسول الله إن هذا يشتمني ويشتم أبا بكر فقال جيء به يا أبا حفص فأتى برجل فإذا هو العماني وكان مشهورا بسبهما فقال له النبي أضجعه فأضجعه ثم قال اذبحه فذبحه قال فما نبهني إلا صياحه فقلت مالي لا أخبره عسى أن يتوب فلما تقربت من منزله سمعت بكاء شديدا فقلت ما هذا البكاء فقالوا العماني ذبح البارحة على سريره قال فدنوت من عنقه فإذا من أذنه إلى أذنه طريقة حمراء كالدم المحصور
وقال القيرواني أخبرني شيخ لنا من أهل الفضل قال أخبرني أبو الحسن المطلبي أمام مسجد النبي قال رأيت بالمدينة عجبا كان رجل يسب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فبينا نحن يوما من الأيام بعد صلاة الصبح إذ أقبل رجل وقد خرجت عيناه وسالتا على خديه فسألناه ما قصتك فقال رأيت البارحة رسول الله وعلى بين يديه ومعه أبو بكر وعمر فقالا يا رسول الله هذا الذي يؤذينا ويسبنا فقال لي رسول الله من أمرك بهذا يا أبا قيس فقلت له على وأشرت عليه فأقبل علي بوجهه ويده وقد ضم أصابعه وبسط السبابة والوسطى وقصد بها إلى عيني فقلت إن كنت كذبت ففقأ الله عينيك وادخل أصبعيه في عيني فانتهت من نومي وأنا على هذه الحال فكان يبكي يخبر الناس وأعلن بالتوبة
قال القيرواني وأخبرني شيخ من أهل الفضل قال أخبرني فقيه قال كان عندنا رجل يكثر الصوم ويسرده ولكنه كان يؤخر الفطر فرأي في المنام كأن أسودين آخذين بضبعيه وثيابه إلى تنور محمى ليلقياه قال فقلت لهما على ماذا فقالا على خلافك لسنة رسول الله فإنه أمر بتعجيل الفطر وأنت تؤخره قال فأصح وجهه قد اسود من وهج النار فكان يمشي متبرقعا في الناس
وأعجب من هذا الرجل يرى في المنام وهو شديد العطش والجوع والألم أن غيره قد سقاه وأطعمه أو داواه بدواء فيستيقظ وقد زال عنه ذلك كله وقد رأي الناس من هذا عجائب
وقد ذكر مالك عن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة أن جارية لها سحرتها وأن سنديا دخل عليها وهي مريضة فقال إنك سحرت قالت ومن سحرني قال جارية في حجرها صبي قد بال عليها فدعت جاريتها فقالت حتى أغسل بولا في ثوبي فقالت لها أسحرتني قالت نعم قالت وما دعاك إلى ذلك قالت أردت تعجيل العتق فأمرت أخاها أن يبيعها من الأعراب ممن يسئ ملكها فباعها ثم إن عائشة رأت في منامها أن اغتسلي من ثلاثة آبار يمد بعضها بعضا فأستسقى لها فأغتسلت فبرأت
وكان سماك بن حرب قد ذهب بصره فرأي إبراهيم الخليل في المنام فمسح على عينيه وقال اذهب إلى الفرات فتنغمس فيه ثلاثا ففعل فأبصر
وكان إسماعيل بن بلال الحضرمي قد عمى فأتى في المنام فقيل له قل يا قريب يا مجيب يا سميع الدعاء يا لطيف بمن يشاء رد على بصري فقال الليث بن سعد أنا رأيته قد عمى ثم أبصر
وقال عبيد الله بن أبي جعفر اشتكيت شكوى فجهدت منها فكنت أقرأ آية الكرسي فنمت فإذا رجلان قائمان بين يدي فقال أحدهما لصاحبه أن يقرأ آية فيها ثلاثمائة وستون رحمة أفلا يصيب هذا المسكين فيها رحمة واحدة فأستيقظت فوجدت خفة
قال ابن أبي الدنيا اعتلت امرأة من أهل الخير والصلاح بوجع المعده فرأت في المنام قائلا يقول لا إله إلا الله المغلي وشراب الورد فشربته فأذهب الله عنها ما كانت تجد
قال وقالت أيضا رأيت في المنام كأني أقول السناء والعسل وماء الحمص الأسود شفاء لوجع الأوراك فلما استيقظت أتتني امرأة تشكو وجعا بوركها فوصفت لها ذلك فأستنفعت به
وقال جالينوس السبب الذي دعاني إلى فصد العروق الضوارب أني أمرت به في منامي مرتين قال كنت إذ ذاك غلاما قال وأعرف إنسانا شفاه الله من وجع كان به في جنبه بفصد العرق الضارب لرؤيا رآها في منامه
وقال ابن الخراز كنت أعالج رجلا ممعودا فغاب عني ثم لقيته فسألته عن حاله فقال رأيت في المنام إنسانا في زي ناسك متوكئا على عصا وقف علي وقال أنت رجل ممعود فقلت نعم فقال عليك بالكباء والجلنجبين فأصبحت فسألت عنهما فقيل لي الكباء المصطكي والجلنجبين الورد المربي بالعسل فأستعملتهما أياما فبرأت فقلت له ذلك جالينوس
والوقائع في هذا الباب أكثر من أن تذكر قال بعض الناس إن أصل الطب من المنامات ولا ريب أن كثيرا من أصوله مستند إلى الرؤيا كما أن بعضها عن التجارب وبعضها عن القياس وبعضها عن الهام ومن أراد الوقوف على ذلك فلينظر في تاريخ الأطباء وفي كتاب البستان للقيرواني وغير ذلك
فصل الوجه الثاني بعد المائة قوله تعالى إن الذين كسبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء وهذا دليل على أن المؤمنين تفتح لهم أبواب السماء وهذا التفتيح هو تفتيحها لأرواحهم عند الموت كما تقدم في الأحاديث المستفيضة أن السماء تفتح لروح المؤمن حتى ينتهي بها إلى بين يدي الرب تعالى
وأما الكافر فلا تفتح لروحه أبواب السماء ولا تفتح لجسده أبواب الجنة
فصل الوجه الثالث بعد المائة قول النبي يا بلال ما دخلت الجنة إلا سمعت خشخشتك بين يدي فبم ذاك قال ما أحدثت في ليل أو نهار إلا توضأت وصليت ركعتين قال بهما ومعلوم أي الذي سمع خشخشته بين يديه هو روح بلال وإلا فجسده لم ينقل إلى الجنة
الوجه الرابع بعد المائة الأحاديث والآثار التي في زيارة القبور والسلام على أهلها ومخاطبتهم والأخبار عن معرفتهم بزوارهم وردهم عليهم السلام وقد تقدمت الإشارة إليها
الوجه الخامس بعد المائة شكاية كثير من أرواح الموتى إلى أقاربهم وغيرهم أمورا مؤذية فيجدونها كما شكوه فيزيلونها
الوجه السادس بعد المائة لو كانت الروح عبارة عن عرض من أعراض البدن أو جوهر مجرد ليس بجسم ولا حال فيه لكان قول القائل خرجت وذهبت وقمت وجئت وقعدت وتحركت ودخلت ورجعت ونحو ذلك كله أقوالا باطلة لأن هذه الصفات ممتنعة الثبوت في حق الأعراض والمجردات وكل عاقل يعلم صدق قوله وقول غيره ذلك فالقدح ذلك قدح في أظهر المعلومات من باب السفسطة لا يقال حاصل هذا الدليل التمسك بألفاظ الناس وإطلاقاتهم وهي تحتمل الحقيقة والمجاز فلعل مرادهم دخل جسمي وخرج لأنا إنما استدللنا بشهادة العقل والفطرة بمعاني هذه الألفاظ فكل أحد يشهد عقله وحسه بأنه هو الذي دخل وخرج وانتقل لا مجرد بدنه فشهادة الحس والعقل بمعاني هذه الألفاظ وإضافتها إلى الروح أصلا وإلى البدن تبعا من أصدق الشهادات والاعتماد على ذلك مجرد الإطلاق اللفظي
الوجه السابع بعد المائة أن البدن مركب ومحل لتصرف النفس فكان دخول البدن وخروجه وانتقاله جاريا مجرى دخول مركبه من فرسه ودابته فلو كانت النفس غير قابله للدخول والخروج والانتقال والحركة والسكون لكان ذلك بمنزلة دخول مركب الإنسان إلى الدار وخروجه منها دون دخوله هو وهذا معلوم البطلان بالضرورة وكل أحد يعلم أن نفسه وروحه هي التي دخلت وخرجت وانتقلت وصرفت البدن وجعلته تبعا لها في الدخول والخروج فهو لها بالأصل وللبدن بالتبع كلنه للبدن بالمشاهدة وللروح بالعلم والعقل
الوجه الثامن بعد المائة أن النفس لو كانت كما يقوله أنها عرض لكان الإنسان كل وقت قد يبدل مائة ألف نفس أو أكثر والإنسان إنما هو إنسان بروحه ونفسه لا ببدنه وكان الإنسان الذي هو الإنسان غير الذي قبله بلحظة وبعده بلحظة وهذا من نوع الهوس ولو كانت الروح مجردة وتعلقها بالبدن بالتدبير فقط لا بالمساكنة والمداخلة لم يمتنع أن ينقطع تعلقها بهذا البدن وتتعلق بغيره كما يجوز انقطاع تدبير المدبر لبيت أو مدينة عنها ويتعلق بتدبير غيرها وعلى هذا التدبير فنصير شاكين في أن هذه النفس التي لزيد هي النفس الأولى أو غيرها وهل زيد هو ذلك الرجل أم غيره وعاقل لا يجوز ذلك فلو كانت الروح عرضا أو أمرا مجردا لحصل الشك المذكور
الوجه التاسع بعد المائة أن كل أحد يقطع أن نفسه موصوفة بالعلم والفكر والحب والبغض والرضا والسخط وغيرها من الأحوال النفسانية ويعلم أن الموصوف ليس بذلك عرضا من أعراض بدنه ولا جوهرا مجردا منفصلا عن بدنه غير مجاور له ويقطع ضرورة بأن هذه الإدراكات لأمر داخل في بدنه كما يقطع بأنه إذا سمع وأبصر وشم وذاق ولمس وتحرك وسكن فتلك أمور قائمة به مضافة إلى نفسه وأن جوهر النفس هو الذي قام به ذلك كله لم يقم بمجرد ولا بعرض بل قام بمتحيز داخل العالم منتقل من مكان إلى مكان يتحرك ويسكن ويخرج ويدخل وليس إلا هذا البدن والجسم الساري فيه المشابك له الذي لولاه لكان بمنزلة الجماد
الوجه العاشر بعد المائة إن النفس لو كانت مجردة وتعلقها بالبدن تعلق التدبير فقط كتعلق الملاح بالسفينة والجمال بحمله لأمكنها ترك تدبير هذا البدن واشتغالها بتدبير بدن آخر كما يمكن الملاح والجمال ذلك وفي ذلك تجويز نقل النفوس من أبدان إلى أبدان ولا يقال أن النفس اتحدت ببدنها فامتنع عليها الانتقال أو أنها لها عشق طبيعي وشوق ذاتي إلى تدبير هذا البدن فلهذا السبب امتنع انتقالها لأنا نقول الاتحاد ما لا يتحيز بالمتحيز محال ولأنها لو اتحدت به لبطلت ببطلانه ولأنها بعد الاتحاد إن بقيا فهما اثنان لا واحد وإن عدما معا وحدث ثالث فليس من الاتحاد في شيء وإن بقي أحدهما وعد الآخر فليس باتحاد أيضا وأما عشق النفس الطبيعي للبدن فالنفس إنما تعشقه لأنها تتناول اللذات بواسطته وإذا كانت الأبدان متساوية في حصول مطلوبها كانت نسبتها إليها على السواء فقولكم أن النفس المعينة عاشقة للبدن المعين باطل ومثال ذلك العطشان إذا صادف آنية متساوية كل مها يحصل غرضه امتنع عليه أن يعشق واحدا منها بعينه دون سائرها
الوجه الحادي عشر بعد المائة أن نفس الإنسان لو كانت جوهرا مجردا لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصلة بالعالم ولا منفصلة عنه ولا مباينة ولا مجانبة لكان يعلم بالضرورة أنه موجود بهذه الصفة لأن علم الإنسان بنفسه وصفاتها أظهر من كل معلوم وأن علمه بما عداه تابع لعلمه بنفسه ومعلوم قطعا أن ذلك باطل فإن جماهير أهل الأرض يعلمون أن إثبات هذا الوجود محال في العقول شاهدا وغائبا فمن قال ذلك في نفسه وربه فلا نفسه عرف ولا ربه عرف
الوجه الثاني عشر بعد المائة أن هذا البدن المشاهد محل لجميع صفات النفس وإدراكاتها الكلية والجزئية ومحل للقردة على الحركات الإرادية فوجب أن يكون الحامل لتلك الإدراكات والصفات هو البدن وما سكن فيه أما أن يكون محلها جوهرا مجردا لا داخل العالم ولا خارجه فباطل بالضرورة
الوجه الثالث عشر بعد المائة أن النفس لو كانت مجردة عن الجسمية والتحيز لامتنع أن يتوقف فعلها على مماسة محل الفعل لأن ما لا يكون متحيزا يمتنع أن يصير مماسا للمتحيز ولو كان الأمر كذلك لكان فعلها على سبيل الاختراع من غير حاجة إلى حصول مماسة وملاقاة بين الفاعل وبين محل الفعل فكان الواحد منا يقدر على تحريك الأجسام من غير أن يماسها أو يماس شيئا يماسها فإن النفس عندكم كما كانت قادرة على تحريك البدن من غير أن يكون بينها وبينه مماسة كذلك لا تمنع قدرتها على تحريك جسم غيره من غير مماسة له ولا لما يماسه وذلك باطل بالضرورة فعلم أن النفس لا تقوى على التحريك إلا بشرط أن تماس محل الحركة أو تماس ما يماسه وكل ما كان مماسه للجسم أو لما يماسه فهو جسم فإن قيل يجوز أن يكون تأثير النفس في تحريك بدنها الخاص غير مشروط بالمماسة وتأثيرها في تحريك غيره موقوف على حصول المماسة بين بدنها وبين ذلك الجسم فالجواب أنه لما كان قبول البدن لتصرفات النفس لا يتوقف على حصول المماسة بين النفس وبين البدن وجب أن تكون الحال كذلك في غيره من الأجسام لأن الأجسام متساوية في قبول الحركة ونسبة النفس إلى جميعها سواء لأنها إذا كانت مجردة عن الحجمية وعلائق الحجمية كانت نسبة ذاتها إلى الكل بالسوية ومتى كانت ذات الفاعل نسبتها إلى الكل بالسوية والقوابل نسبتها إلى ذلك الفاعل بالسوية كان التأثير بالنسبة إلى الكل على السواء فإذا استغنى الفاعل عن مماسة محل الفعل في حق البعض وجب أن يستغني في حق الجميع وإن افتقر إلى المماسة في البعض
وجب افتقاره في الجميع فإن قيل النفس عاشقة لهذا البدن دون غيره فكان تأثيرها فيه أقوى من تأثيرها في غيره قيل هذا العشق الشديد يقتضي أن يكون تعلقها بالبدن أكثر وتصرفها فيه أقوى فأما أن يتغير مقتضى ذاتها بالنسبة إلى هذه الأجسام فذلك محال وهذا دليل في غاية القوة
الوجه الرابع عشر بعد المائة أن العقلاء كلهم متفقون على أن الإنسان هو هذا الحي الناطق المتغذي النامي الحساس المتحرك بالإرادة وهذه الصفات نوعان صفات لبدنه وصفات لروحه ونفسه الناطقة فلو كانت الروح جوهرا مجردا لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصلة به ولا منفصلة عنه لكان الإنسان لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصلا به ولا منفصلا عنه أو كان بعضه في العالم وبعضه لا داخل العالم ولا خارجه وكل عاقل يعلم بالضرورة بطلان ذلك وأن الإنسان بجملته داخل العالم بدنه وروحه وهذا في البطلان يضاهي قول من قال أن نفسه قديمة غير مخلوقة فجعلوا نصف الإنسان مخلوقا ونصفه غير مخلوق فإن قيل نحن نسلم أن الإنسان كما ذكرتم إلا أنا نثبت جوهرا مجردا يدبر الإنسان الموصوف بهذه الصفات
قلنا فذلك الجوهر الذي أثبتموه مغاير للإنسان أو هو حقيقة الإنسان ولا بد لكم من أحد الأمرين فإن قلتم هو غير الإنسان رجع كلامكم إلى أنكم أثبتم للإنسان مدبرا غيره سميتموه نفسها وكلامنا الآن إنما هو في حقيقة الإنسان لا في مدبره فإن مدبر الإنسان وجميع العالم العلوي والسفلي هو الله الواحد القهار
الوجه الخامس عشر بعد المائة أن كل عاقل إذا قيل له ما الإنسان فإنه يشير إلى هذه البنية وما قام بها لا يخطر بباله أمر مغاير لها مجرد ليس في العالم ولا خارجه والعلم بذلك ضروري لا يقبل شكا ولا تشكيكا
الوجه السادس عشر بعد المائة أن عقول العالمين قاضيه بأن الخطاب متوجه إلى هذه البنية وما قام بها وساكها وكذلك المدح والذم والثواب والعقاب والترغيب والترهيب ولو أن رجلا قال المأمور والمنهي والممدوح والمذموم والمخاطب والعاقل جوهر مجرد ليس في العالم ولا خارجه ولا متصل به ولا منفصل عنه لأضحك العقلاء على عقله ولأطبقوا على تكذيبه وكل ما شهدت بدائه العقول وصرائحها ببطلانه كان الاستدلال على ثبوته استدلالا على صحة وجود المحال وبالله التوفيق
فصل فإن قيل قد ذكرتم الأدلة الدالة على جسميتها وتحيزها فما جوابكم عن أدلة المنازعين لكم في ذلك فإنهم استدلوا بوجوه
أحدها اتفاق العقلاء على قولهم الروح والجسم والنفس والجسم فيجعلونها شيئا غير الجسم فلو كانت جسما لم يكن لهذا القول معنى
الثاني وهو أقوى ما يحتجون به أنه من المعلوم أن في الموجودات ما هو قابل للقسمة كالنقطة والجوهر الفرد بل ذات واجب الوجود فوجب أن يكون ا لعلم بذلك غير قابل للقسمة فوجب أن يكون الموصوف بذلك العلم وهو محله غير قابل للقسمة وهو النفس فلو كانت جسما لكانت قابلة للقسمة ويقرر هذا الدليل على وجه آخر وهو أن محل العلوم الكلية لو كان جسما أو جسمانيا لانقمست تلك العلوم لأن الحال في المنقسم وانقسام تلك العلوم مستحيل
الثالث أن الصور العقلية الكلية مجردة بلا شك وتجردها إما أن يكون بسبب المأخوذ عنه أو بسبب الأخذ والأول باطل لأن هذه الصور إنما أخذت عن الأشخاص الموصوفة بالمقادير المختلفة والأوضاع المعينة فثبت أن تجردها إنما هو بسبب الأخذ لها والقوة العقلية المسماة بالنفس
الرابع أن القوة العاقلة تقوى على أفعال غير متناهية فإنها تقوى على إداراكات لا تتناهي والقوة الجسمانية لا تقوى على أفعال غير متناهية لأن القوة الجسمانية تنقسم بانقسام محلها فالذي يقوى عليه بعضها يجب أن يكون أقل من الذي يقوى عليه الكل فالذي يقوى عليه الكل يزيد على الذي يقوى عليه البعض أضعافا متناهية والزائد على المتناهي بمتناه متناه
الخامس أن القوة العاقلة لو كانت حالة في آلة جسمانية لوجب أن تكون القوة العاقلة دائمة الإدراك لتلك الآية أو ممتنعة الإدراك لها بالكلية ولكلاهما باطل لأن إدراك القوة العاقلة لتلك الآلة إن كان عين وجودها فهو محال وإن كان صورة مساوية لوجودها وهي حالة في القوة العقلية الحالة في تلك الآلة لزم اجتماع صورتين متماثلتين وهو محال وإذا بطل هذا ثبت أن القوة العاقلة لو أدركت آلتها لكان إدراكها عبارة عن نفس حصول تلك الآلة عند القوة العاقلة فيجب حصول الإدراك دائما إن كفي هذا القدر في حصول الإدراك وإن لم يكف امتنع حصول الإدراك في وقت من الأوقات إذ لو حصل في وقت دون وقت لكان بسبب أمر زائد على مجرد حضور صورة الآلة
السادس أن كل أحد يدرك نفسه وإدراك الشيء عبارة عن حضور ماهية المعلوم عند العالم فإذا علمنا أنفسنا فهو إما أن يكون لأجل حضور ذواتنا لذواتنا أو لأجل حضور صورة مساوية لذواتنا في ذواتنا والقسم الثاني باطل وإلا لزم اجتماع المثلين فثبت أنه لا معنى لعلمنا بذاتنا إلا حضور ذاتنا عند ذاتنا وهذا إنما يكون إذا كانت ذاتا قائمة بالنفس غنية عن المحل لأنها لو كانت حالة في محل كانت حاضرة عند ذلك المحل فثبت أن هذا المعنى إنما يحصل إذا كانت النفس قائمة بنفسها غنية عن محل تحل فيه
السابع ما احتج به أبو البركات البغدادي وأبطل ما سواه فقال لا نشك أن الواحد منا يمكنه أن يتخيل بحرا من زئبق وجبلا من ياقوت وشموسا وأقمارا فهذه الصور الخيالية لا تكون معدومة لأن قوة المتخيل تشير إلى تلك الصور وتميز بين كل صورة وغيرها وقد يقوى ذلك المتخيل إلى أن يصير كالمشاهد المحسوس ومعلوم أن العدم المحض والنفي الصرف لا يثبت ذلك ونحن نعلم بالضرورة ان هذه الصور ليست موجودة في الأعيان فثبت أنها موجودة في الأذهان فنقول محل هذه الصورة إما أن يكون جسما أو حالا في الجسم أو لا جسما ولا حالا في الجسم والقسمان الأولان باطلان لأن صورة البحر والجبل صورة عظيمة والدماغ والقلب جسم صغير وانطباع العظيم في الصغير محال فثبت أن محل هذه الصورة الخيالية ليس بجسم ولا جسماني
والثامن لو كانت القوة العقلية جسدانية لضعفت في زمان الشيخوخة دائما وليس كذلك
التاسع أن القوة العقلية غنية في أفعالها عن الجسم وما كان غنيا في فعله عن الجسم وجب أن يكون غنيا في ذاته عن الجسم بيان الأول أن القوة العقلية تدرك نفسها ومن المحال أن يحصل بينها وبين نفسها آلة متوسطة أيضا وتدرك إدراكها لنفسها وليس هذا الإدراك بآلة وأيضا فإنها تدرك الجسم الذي هو آلتها وليس بينها وبين آلتها آلة أخرى وبيان للثاني من وجهين
أحدهما أن القوى الجسمانية كالناظرة والسامعة والخيال والوهم لما كانت جسمانية يقدر عليها إدراك ذواتها وإدراكها لكونها مدركة لذواتها وإدراكها الأجسام الحالمة لها فلو كانت القوة العاقلة جسمانية لتعذر عليها هذه الأمور الثلاثة
الثاني أن مصدر الفعل هو النفس فلو كانت النفس متعلقة في قوامها ووجودها بالجسم لم تحصل تلك الأفعال إلا بشركة من الجسم ولما ثبت أنه ليس كذلك ثبت أن القوة العقلية غنية عن الجسم
العاشر أن القوة الجسمانية تكل بكثرة الأفعال ولا تقوى بعد الضعف وسببه ظاهر فإن القوى الجسمانية بسبب مزاولة الأفعال تتعرض موادها للتحلل والذبول وهو يوجب الضعف وأما القوة العقلية فإنها لا تضعف بسبب كثرة الأفعال وتقوى على القوى بعد الضعف فوجب أن لا تكون جسمانية
الحادي عشر أنا إذا حكمنا بأن السواد مضاد للبياض وجب أن يحصل في الذهن ماهية السواد والبياض والبداهة حاكمة بأن اجتماع السواد والبياض والحرارة والبرودة في الأجسام محال فلما حصل هذا الاجتماع في القوة العقلية وجب أن لا تكون قوة جسمانية
الثاني عشر أنه لو كان محل الإدراكات جسما وكل جسم منقسم لا محالة لم يمنع أن يقوم ببعض أجزاء الجسم علم بالشيء وبالبعض الآخر منه جهل وحينئذ فيكون الإنسان في الحال الواحد عالما بالشيء وجاهلا به
الثالث عشر أن المادة الجسمانية إذا حصلت فيها نقوش مخصوصة فإن وجود تلك النقوش فيها يمنع من حصول نقوش غيرها وأما النقوش العقلية فالضد من ذلك لأن الأنفس إذا كانت خالية من جميع العلوم والإدراكات فإنه يصعب عليها التعلم فإذا تعلمت شيئا صار حصول تلك العلوم معينا على سهولة غيرها فالنقوش الجسمانية متغيرة متنافية والنقوش العقلية متعاونة متعاضدة
الرابع عشر أن النفس لو كانت جسما لكان بين إرادة العبد تحريك رجله وبين تحريكها زمان على قدر حركة الجسم وثقله فإن النفس هي المحركة لمجسد والممهد لحركته فلو كان المحرك للرجل جسما فإما أن يكون حاصلا في هذه الأعضاء أو جائيا إليها فإن كان جائيا إليها احتاج إلى مدة ولا بد وإن كان حاصلا فيها فنحن إذا قطعنا تلك العضلة التي تكون بها الحركة لم يبق منها في العضو المتحرك شيء فلو كان ذلك المتحرك حاصلا فيه لبقي منه شيء في ذلك العضو
الخامس عشر لو كانت النفس جسما لكانت منقسمة ولصح عليها أن يعلم بعضها كما يعلم كلها فيكون الإنسان عالما بعض نفسه جاهلا بالبعض الآخر وذلك محال
السادس عشر لو كانت النفس لوجب أن يثقل البدن بدخولها فيه لأن شأن الجسم الفارغ إذا ملأه غيره أن يثقل به كالزق الفارغ والأمر بالعكس فأخف ما يكون البدن إذا كانت فيه النفس وأثقل ما يكون إذا فارقته
السابع عشر لو كانت النفس جسما لكانت على صفات سائر الأجسام التي لا يخلو شيء منها من الخفة والثقل والحرارة والبرودة والنعومة والخشونة والسواد والبياض وغير ذلك من صفات الأجسام وكيفياتها ومعلوم أن الكيفيات النفسانية إنما هي الفضائل والرذائل لا تلك الكيفيات الجسمانية فالنفس ليست جسما
الثامن عشر أنها لو كانت جسما لوجب أن يقع تحت جميع الحواس أو تحت حاسة منها أو حاستين أو أكثر فإنا نرى الأجسام كذلك منها ما يدرك بجميع الحواس ومنها ما يدرك بأكثرها ومنها ما يدرك بحاستين منها أو واحدة والنفس بريئة من ذلك كله وهذه الحجة التي احتج بها جهم على طائفة من الملاحدة حين أنكروا الخالق سبحانه وقالوا لو كان موجودا لوجب أن يدرك بحاسة من الحواس فعارضهم بالنفس وأنى تتم المعارضة إذا كانت جسما وإلا لو كانت جسما لجاز إدراكها ببعض الحواس
التاسع عشر لو كانت جسما لكانت ذات طول وعرض وعمق وسطح وشكل وهذه المقادير والأبعاد لا تقوم إلا بمادة ومحل فإن كانت مادتها ومحلها نفسا لزم اجتماع نفسين وإن كان غير نفس كانت النفس مركبة من بدن وصورة وهي في جسد مركب من بدن وصورة فيكون الإنسان إنسانين
العشرون إن من خاصة الجسم أن يقبل التجزي والجزء الصغير منه ليس كالكبير ولو قبلت التجزي فكل جزء منها إن كان نفسا لزم أن يكون للإنسان نفوس كثيرة لا نفس واحدة وإن لم يكن نفسا لم يكن المجموع نفسا كما أن جزء الماء إن لم يكن ماء لم يكن مجموعة ماء
الحادي والعشرون أن الجسم محتاج في قوامه وحفظه وبقائه إلى النفس ولهذا يضمحل ويتلاشى لما تفارقه فلو كانت جسما لكانت محتاجة إلى نفس أخرى وهلم جرا ويتسلسل الأمر وهذا المحال إنما لزم من كون النفس جسما
الثاني والعشرون لو كانت جسما لكان اتصالها بالجسم إن كان على سبيل المداخلة لزم تداخل الأجسام وإن كان على سبيل الملاصقة والمجاورة كان الإنسان الواحد جسمين متلاصقين أحدهما يرى والآخر لا يرى
فهذا كل ما موهت به هذه الطائفة المبطلة من منخنقة وموقوذة ومتردية ونحن نجيهم عن ذلك كله فصلا بفصل بحول الله وقوته ومعونته
فصل فأما قولهم أن العقلاء متفقون على قولهم الروح والجسم والنفس والجسم وهذا يدل على تغايرهما فالجواب أن يقال أن مسمى الجسم في اصطلاح المتفلسفة والمتكلمين أعم من مسماه في لغة العرب وعرف أهل العرف فإن الفلاسفة يطلقون الجسم على قابل الأبعاد الثلاثة خفيفا كان أو ثقيلا مرئيا كان أو غير مرئي فيسمون الهواء جسما والنار جسما والماء جسما وكذلك الدخان والبخار والكوكب ولا يعرف في لغة العرب تسمية شيء من ذلك جسما التة ! فهذه لغتهم وأشعارهم وهذه النقول ! عنهم في كتب اللغة قال الجوهري قال أبو زيد الجسم الجسد وكذلك الجسمان والجثمان قال الأصمعي الجسم والجسمان الجسد والجثمان الشخص وقد جسم الشيء أي عظم فهو عظيم جسيم وجسام بالضم
ونحن إذا سمينا النفس جسما فإنما هو باصطلاحهم وعرف خطابهم وإلا فليست جسما باعتبار وضع اللغة ومقصودنا بكونها جسما إثبات الصفات والأفعال والأحكام التي دل عليها الشرع والعقل والحس من الحركة والانتقال والصعود وبنزول ومباشرة النعيم والعذاب واللذة والألم وكونها تحبس وترسل وتقبض وتدخل وتخرج فلذلك أطلقنا عليها اسم الجسم تحقيقا لهذه المعاني وإن لم يطلق عليها أهل اللغة اسم الجسم فالكلام مع هذه الفرقة المبطلة في المعنى لا في اللفظ فقول أهل التخاطب الروح والجسم هو بهذا المعنى
فصل وأما الشبهة الثانية فهي أقوى شبههم التي بها يصلون وعليها يعولون وهي مبلية على أربع مقدمات
إحداها أن في الوجود ما لا يقبل القسمة بوجه من الوجوه
الثانية أنه يمكن العلم به
الثالثة أن العلم به غير منقسم
الرابعة أنه يجب أن يكون محل للعلم به كذلك إذ لو كان جسما لكان منقسما
وقد نازعهم في ذلك جمهور العقلاء وقالوا لم تقيموا دليلا على أن في الوجود ما لا يقبل القسمة الحسبة ولا الوهمية وإنما بأيديكم دعاء لا حقيقة لها وإنما أثبتموه من واجب الوجود وهو بناء على أصلكم الباطل عند جميع العقلاء من أهل الملل وغيرهم من انكار ماهية الرب
تعالى وصفاته وأنه وجود مجرد لا صفة له ولا ماهية وهذا قول باينتم به العقول وجميع الكتب المنزلة من السماء وإجماع الرسل ونفيتم به علم الله وقدرته ومشيئته وسمعه وبصره وعلوه على خلقه ونفيتم به خلق السموات والأرض في ستة أيام وسميتموه توحيدا وهو أصل كل تعطيل
قالوا والنقطة التي استدللتم بها هي من أظهر ما يبطل دليلكم فإنها غير منقسمة وهي حالة في الجسم المنقسم فقد حل في المنقسم ما ليس بمنقسم ثم إن مثبتي الجوهر الفرد وهم جمهور المتكلمين ينازعونكم في هذا الأصل ويقولون الجوهر حال في الجسم بل هو مركب منه فقد حل في المنقسم ما ليس بمنقسم ولا يمكن تتميم دليلكم إلا بنفي الجوهر الفرد فإن قلتم النقطة عبارة عن نهاية الخط وفنائه وعدمه فهي أمر عدمي بطل استدلالكم بها وإن كانت أمرا وجوديا فقد حلت في المنقسم فبطل الدليل على التقديرين
قالوا أيضا فلم لا يكون العلم حالا في محله لا على وجه النوع والسريان فإن حلول كل شيء في محله يحسبه فحلول الحيوان في الدار نوع وحلول العرض في الجسم نوع وحلول الخط في الكتاب نوع وحلول الدهن في السمسم نوع وحلول الجسم في العرض نوع وحلول الروح في البدن نوع وحلول العلوم والمعارف في النفس نوع
قالوا وأيضا فالوحدة حاصلة فإن كانت جوهرا فقد ثبت الجوهر الفرد بطل دليلكم فإنه لا يتم إلا بنفيه وإن كان عرضا وجب أن يكون لها محل فمحلها إن كان منقسما فقد جاز قيام غير المنقسم بالمنقسم فهو الجوهر وبطل الدليل فإن قلتم الواحده أمر عدمي لا وجود له في الخارج فكذلك أثبتم به وجود مالا ينقسم كلها أمور عدمية لا وجود لها في الخارج فإن واجب الوجود الذي أثبتموه أمر عدمي بل مستحيل الوجود
قالوا وأيضا فالإضافات عارضة لا أقسام مثل الفوقية والتحتية والمالكية والمملوكية فلو انقسم الحال بانقسام محله لزم انقسام هذه الإضافات فكان يكون لحقيقة الفوقية والتحتية ربع وثمن وهذا لا يقبله العقل
قالوا وأن القوة الوهمية والفكرية جسمانية عند زعيمكم ابن سيناء فيلزم أن يحصل لها أجزاء وأبعاض وذلك محال لأنها لو انقمست لكان كل واحد من أبعاضها إن كان مثلها كان الجزء مساويا للكل وإن لم يكن مثلها لم تكن تلك الأجزاء كذلك
وأيضا فإن الوهم لا معنى له إلا كون هذا صديقا وهذا عدوا وذلك لا يقبل القسمة
قالوا وأن الوجود أمر زائد على الماهيات عندكم فلو لزم انقسام الحال لانقسام محله
لزم انقسام ذلك الوجود بانقسام محله وهذا الوجه لا يلزم من جعل وجود الشيء غير ماهيته